تأله المومنين من البشر



التأله, أو بالاحرى تأله المومنين من البشر, موضوع لم يفهمه الكثير من البشر, وكذلك البعض من الاخوة المؤمنين انفسهم بسبب هول وجسامة وقع لفظ كلمة التأله على نفوسهم, وإستكثاره على ذواتهم, وهم بالحقيقة مُحقين بذلك, فلن يستحق اي من البشر أنْ يتأله او حتى أن يخلص ليقف أمام العرش السماوي, وامام الخالق القدوس السرمدي, لكن إرادة الخالق ووسعِ نعمَتُه قضت أن يهب المؤمنين من البشر, ليسَ فقط الخلاص, لا بل وحدهم بذاتهِ, ووهب لنا نحنُ المؤمنين بفداء الرب جسده ودمه لنأكلهما ونحيا ونخلص ونتأله بهما, وبكلمته عندما قال "أنا فيهم وهم فيَّ وليكونوا مُكملين بالوحدةِ ذاتها" فمحبة الخالق المطلقة للبشر هي من وهبتنا ليس فقط الحياة الابدية, بل وهبتنا أن نتأله بخالقنا وأن يكونَ المؤمنين واحدا فيه, وهو فيهم, وبالحقيقة كان هذا التأله, وهذهِ العطية هي أساس وسبب خلق الله للبشر منذُ البداية.

فلو فَهِمَ البشرُ سبب خلقِهم, لأدركوا بأّنَّ تأله البشر بدأَ لحظة خلقِ آدم وحواء, ففي لحظة الخلق الاولى بدأ تأله الانسان , عندما نفَخَ الله من عنده نسمة الحياة في آدم وحواء عند خلقهم, فهو بهذا أَخَصَ الانسان بسموِ لم يَفهَمَهُ حتى إِبليس, فلو فَهِمَ إبليسَ هذا الامر العظيم لما كان سيسقط, ولكان فَهِمَ بأَنَّ الله لم يخلق الانسان ليبقى بشرا ناقصَ المعرفة, لا يُميز بين الخير والشر , بل لكان فهم بأَّنَّ الله قد أّتَمَّ الخطوة الاولى فقط بخلق آدم وحواء كبشر, فخلق الانسان له مراحل يجب تمامها لكي يكتَمِل خلقه, وليتأله كما كانت إرادة ومشيئة الخالق له, تماما كما تَمُرُ الفراشة بمراحل خلقِها, فهي في بداية ألامر لا تكون سوى دودة تزحف ثُمَّ تتشرنق لتخرج بعدها من شرنقتها فراشة زاهية الالوان تخلب الانظار, هكذا البشر تماما يمروا اولا بمرحلة التأنس ثُمَّ الموت الجسدي ليقوموا بعدها بأجسادِ سماوية , على المثال الذي سبق الرب القائم من الموت وقامَ به, فكان هو باكورة الراقدين, او بالأحرى باكورة القائمين من الموت, هذا الاله الذي قضت مشيئته أن يتحد بنا نحنُ المؤمنين ليُألهنا بقوةِ لاهوته وكمال قَدرتهِ وسلطانهِ, ولا ننسى ما قال الربُ " اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ - يوحنا (12-24) " , فلذا بذل ذاته ليُكمل خلقنا ويأتي بثّمرِ كثير, فأحيانا وجعل منا شعبا سماويا له, نستطيع أن نقف امام عرشِهِ السماوي متألهين بكمالِ عطائِه وفدائِهِ ومحبتِهِ اللامحدودة , ولكن يجب علينا أيضأَ أَنْ تفهم بأننا ونحنُ واقِفون أمامَ عرشِ خالِقَنا , لَنْ نكون سوى إِنعكاسِ باهت لمجدِ كامل ومُتَكامل للاهوتِ ألآبُ الابدي ألسرمدي الذي نَفَخَ نسمَةَ الحياة الاولى فينا.

وقد أدركَ تلاميذ الرب والقديس بولس هذا السرَ العظيم , وبهذا اصبحوا لنا مثلاَ للعطاء وبذل الذات وإِقتدوا بالرب يسوع المسيح, ففعلوا ليسَ فقط المُعجِزات, لا بل أفنوا ذواتهم وإِستشهَدَ أَغلبَهُم ,. لِعلمهِم بأنَّهم لن ينتفعوا بشيء حتى لو ربحوا العالم كله, فتركوا كل شيء وبذلوا ذواتهم ليكسبوا أَنفُسِهم ورضى ربهم وفاديهم, هكذا يجبْ علينا نحنُ أيضا أن نقتدي بهم وبمثلنا الاعلى ربنا وفادينا يسوع المسيح إبنُ ألله الحيّ.

لكنَّ عثرات هذا العالم كثيرة ومُغرياتهُ شديدة , وغوايات إبليس تغوي حتى المؤمنين, فبدأوا بجمع الاموال والاطيان بدل جمع الانفس, وهكذا وصل الحالُ بنا مُتفرقين ونحنُ قريبين من نهاية الازمنة ومجيء الرب وعودته. فلقد آنَ الاوان أن نتحد ونجمع ما فرقه إبليس, ونحاول كل ما في إستطاعتنا أن نجمع المؤمنين إلى واحد , جسد واحد, وربُ واحد, وروحُ واحد ومعموديةُ واحدة وخلاصُ واحد أساسه واحدٌ هو يسوع المسيح , وثالوثُ واحدٌ أَحد.

وعلينا كمؤمنين أن نطبق وصايا الرب, فمحبة الله اولاَ , لكن مثلها وتوازيها محبة القريب, لنتشبه بفادينا, بمحبتهِ وفدائهِ, فالعالم كله آيلُ إلى زوالِ قريب, فعلينا الإستعداد لنعضد بعضنا بعضاَ , لنجمعَ شعبا مُقدساَ للرب, ولكي نكون لحمةُ واحدة لمجابهة ألضيقة العظيمة وإِضطهادات الكذاب عدو الايمان , ولنستعد لمجيْ الرب فقد أصبحت عودة الرب وشيكة وعلى الابواب.

ودمت بحماية الرب يسوع المسيح



نوري كريم داؤد


24 / 01 / 2014




"إرجع إلى ألبداية"